فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)}.
قوله: {لاَ يَشْكُرُونَ} يجوز أن يكونَ مفعولُه محذوفًا أي: لا يشكرون نِعَمَه. ويجوزُ أَنْ لا يُقَدَّرَ؛ بمعنى: لا يعترفون بنعمهِ، فعبَّر عن انتفاءِ مَعْرِفتِهم بالنعمةِ بانتفاءِ ما يترتَّبُ على معرفتِها وهو الشكرُ.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)}.
قوله: {مَا تُكِنُّ} العامَّةُ على ضمِّ تاءِ المضارعةِ، مِنْ أَكَنَّ. قال تعالى: {أَوْ أَكْنَنتُمْ} [البقرة: 235]. وابن محيصن وابن السَّمَيْفع وحُمَيْد بتفحها وضمِّ الكاف. يقال: كَنَنْتُه وأكْنَنْتُه، بمعنى: أَخْفَيْتُ وسَتَرْتُ.
قوله: {وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ}.
في هذه التاءِ قولان، أحدُهما: أنها للمبالغةِ كراوِيَة وعَلاَّمة. والثاني: أنها كالتاءِ الداخلةِ على المصادرِ نحو: العاقِبَة والعافِيَة. قال الزمخشري: ونظيرُهما: الذَّبيحةُ والنَّطيحةُ والرَّمْيَةُ في أنها أسماءُ غيرُ صفاتٍ.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)}.
قوله: {بِحُكْمِهِ} العامَّةُ على ضمِّ الحاءِ وسكونِ الكاف. وجناح بن حبيش بكسرِها وفتحِ الكاف جمعَ حِكْمة.
{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)}.
قوله: {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} تقدَّم تحريره في الأنبياء عليهم السلام.
{وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)}.
قوله: {بِهَادِي العمي} العامَّةُ على هادِيْ مضافًا للعُمْي. وحمزة {يَهْدِي} فعلًا مضارعًا، و{العمُيَ} نصبٌ على المفعول به، وكذلك التي في الروم ويحيى بن الحارث وأبو حيوة {بهاد} منوَّنًا {العُمْيَ} منصوب به، وهو الأصلُ.
واتفق القُرَّاء على أَنْ يقفوا على هاد في هذه السورةِ بالياءِ؛ لأنَّها رُسِمَتْ في المصحفِ ثابتةً. واختلفوا في الروم. فوقف الأخوان عليها بالياءِ أيضًا كهذه. أمَّا حمزةُ فلأنه يقرَؤُها {يَهْدي} فعلًا مضارعًا مرفوعًا فياؤه ثابتة. قال الكسائيُّ: مَنْ قرأ: {يَهْدِي} لَزِمَه أَنْ يقفَ بالياء، وإنما لزمه ذلك؛ لأن الفعلَ لا يَدْخُلُه تنوينٌ في الوصلِ تُحذف له الياء فيكونُ في الوقفِ كذلك، كما يَدْخُلُ تنوينٌ على هادٍ ونحوهِ فتَذْهبُ الياءُ في الوصل، فيجري الوقفُ على ذلك كَمَنْ وقف بغير ياءٍ. انتهى. ويَلْزَمُ على ذلك أَنْ يُوْقَفَ على {يَقْضِي بالحق} [غافر: 20] {وَيَدْعُ الإنسان} [الإسراء: 11] بإثباتِ الياءِ والواوِ. ولكنْ يَلْزَمُ حمزةَ مخالفَةُ الرسمِ دونَ القياسِ. وأمَّا الكسائيُّ فإنه يَقرأ: {بهادي} اسمَ فاعلٍ كالجماعةِ، فإثباتُه للياءِ بالحَمْلِ على هادِي في هذه السورةِ، وفيه مخالفَةٌ الرسمِ السلفيِّ.
قوله: {عَن ضَلالَتِهِمْ} فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق ب {يَهْدي}. وعُدِّي ب {عن} لتضمُّنِه معنى يَصْرِفهم. والثاني: أنه متعلقٌ بالعُمْي لأنَّك تقول: عَمِيَ عن كذا، ذكره أبو البقاء. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في السمع:
وهو قوّة في الأُذُن، بها تدرِك الأَصوات.
وفِعْله يقال له السّمع أَيضًا.
وقد سَمِع سَمْعًا.
ويعبّر تارة بالسّمع عن الأُذُن نحو: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ}.
وتارة عن فعله كالسّماع نحو: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}، وتارة عن الفهم، وتارة عن الطَّاعة، تقول: اسمع ما أَقول لك.
ولمْ تسمعْ ما قلتُ، أَى لم تفهم.
وقوله: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}، أَى فهِمنا ولم نأْتمر لك.
وقوله: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، أَى فهمْنَا وارتسَمْنا.
وقوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}، يجوز أَن يكون معناه: فَهِمْنا وهم لا يعملون بموجَبه، وإِذا لم يعمل بموجَبه فهو في حكم مَن لم يسمع، قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} أَى أَفهمهم بأَن جعل لهم قوَّة يفهمون بها.
وقوله: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}، فغير مُسْمَع يقال على وجهين:
أَحدهما: دعاء على الإِنسان بالصّمم.
والثَّانى: أَن يقال أَسمعت فلانًا إِذا سَبَبْتُه.
وذلك متعارَف في السّبّ.
ورُوى أَن أَهل الكتاب كانوا يقولون [ذلك] للنبىّ صلَّى الله عليه وسلم يوهمون أَنَّهم يعظِّمونه ويَدْعون له، وهم يدعون عليه بذلك.
وكلّ موضع أُثبت فيه السّمع للمؤمنين أَو نُفى عن الكافرين أَو حُثَّ على تحرّية فالقصد به إِلى تصوّر المعنى والتفكر فيه.
وإِذا وُصف الله بالسّمع فالمراد به علمه بالمسموعات وتحرّية للمجازاة به، نحو: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} وقوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} أَى إِنك لا تُفهمهم؛ لكونهم كالموتى في افتقادهم- لسوءِ فعلهم- القوّة العاقلة التي هي الحياة المختصة بالإِنسانية.
وقولُه: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أَى يقوله فيه تعالى مَن وقف على عجائب حكمته، ولا يقال فيه: ما أَبصره وما أَسمعه لما تقدم ذكره، وأَن الله تعالى لا يوصَف إِلاَّ بما ورد به السّمع.
وقولُه في صفة الكفار: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} معناه: أَنهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خَفِىَ عنهم وضلُّوا عنه اليوم؛ لظلمهم أَنفسهم وتركهم النَّظر.
وقولُه: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أَى يسمعون منك لأَجل أَن يكذِبوا، {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} أَى يسمعون لمكانهم.
والاستماع: الإِصغاء.
وقوله: {أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ} أَى مَن الموجِد لأَسماعهم وأَبصارهم، والمتولِّى بحفظها.
والمسْمَع والمِسْمع: خَرْق الأُذُن.
وفى دعاءِ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يامن لا يشغله سمعٌ عن سمع، ويامَن لا تغلِّطه المسائل، ويامن لا يُبرمه إِلحاح الملحّين، ارزقنى بَرْد عفوك، وحلاوة رحمتك، ورَوْح قربك.
وقال الشاعر:
لو يسمعون كما سمعتُ كلامها ** خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وسجودًا

وقد ورد السّمع في التنزيل على وجوه:
الأَوّل: بمعنى الإِفهام: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} أَى لا تفهمهم.
الثانى: بمعنى إِجابة الدّعاءِ: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}.
الثالث: بمعنى فهم القلب: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}، {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} أَى سَمْعِ الفؤاد، {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أَى سمعنا بقلوبنا، وأَطعنا بجوارحنا.
الرّابع: بمعنى سماع جارحة الأُذُن: {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، {نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ}، {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} أَى سمعنا بالآذان، وعصينا بالجَنَان.
الخامس: بمعنى سَمْع الحقّ تعالى المنزّه عن الجارحة والآلة، المقدّس عن الصِّماخ والمَحارة: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}.
وقد يكون السميع بمعنى المُسمِع، قال عمرو بن مَعْدِ يكَرِبَ رضى الله عنه:
أَمِن رَيْحانَةَ الداعى السميعُ ** يؤرِّقنى وأَصاحبى هُجُوعُ

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)}.
لا تَلْتَبِسُ على الله أحوالُهم؛ فصادِقٌ يستوي ظاهِرُه وباطنُه يعلمه، ومنافقٌ يخالف باطنُه ظاهرَه يُلَبِّسُ على الناس حالَه، وهو- سبحانه- يعلمه، وكافِرٌ يستوي في الجَحْدِ سِرُّه وعَلَنُه يعلمه، وهو يجازي كلًا على ما عَلِمَه، كيف لا، وهو قَدَّره، وعلى ما عليه قضاه وقَسَمَه؟!.
{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)}.
ما من شيء إلاَّ مُثْبَتٌ في اللوح المحفوظ حُكْمُه، ماضيةٌ فيه مشيئته، متعلِّقٌ به عِلْمُه.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)}.
وهم يُخْفُون بعضًا، وبعضًا يُظْهِرُون، ومع ما يَهْوَوْن يدورون.
وفي هِذه الآية تخصيص لهذه الأمة بأن حفظ الله كتابَهم، وعَصَمَ مِنَ التغيير والتبديل ما به يدينون. وهذه نعمةٌ عظيمةٌ قليلٌ منهم مَنْ عليها يشكرون؛ فالقرآن هدًى ورحمة للمؤمنين، وليس ككتابهم الذي أخبر الصادقُ أنهم له مُحَرِّفون مُبَدِّلُون.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)}.
هو {الْعَزِيزُ} المُعِزُّ للمؤمنين، {الْعَلِيمُ} بما يستحقه كلُّ أحدٍ من الثواب العظيم والعذاب الأليم.
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)} أي اجتهد في أداء فَرْضِه، وثِقْ بصدق وعده في نصره ورزقه، وكفايته وعَوْنِه. ولا يهولنَّكَ ما يجري على ظواهرهم من أذًى يتصل منهم بك، فإنما ذلك كلُّه بتسليطنا إن كان محذورًا، وبتقييضنا وتسهيلنا إن كان محبوبًا. وإنك لَعَلَى حقٍّ وضياءٍ صِدْقٍ، وهم على شكٍ وظلمةِ شِركٍ.
{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)}.
الذين أمات اللَّهُ قلوبَهم بالشِّرْكِ، وأَصَمَّهم عن سماع الحق- فليس في قُدْرَتِكَ أَنْ تَهْدِيَهم للرُّشْدِ أو تنقذهم من أُسْرِ الشكِّ.
{وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)}.
أنت تهديهم من حيث الدعاء والدلالة، ولكنك لا تهدي أحدًا من حيث إزالة الباطل من القلب وإمالته إلى العرفان، إذ ليست بقُدْرَتِكَ الإزالة أو الإمالة.
أنت لا تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يؤمِن بآياتنا، فلا يَسْمَعُ منك إِلاّ مَنْ أسعدناه من حيث التوفيق والإرشاد إِلى الطريق. اهـ.

.تفسير الآيات (82- 86):

قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغ من عظيم زجرهم بتسليته صلى الله عليه وسلم في أمرهم وختم بالإسلام، عطف عليه ذكر ما يوعدون مما تقدم استعجالهم له استهزاء به، وبدأ منه بالدابة التي تميز المسلم من غيره، فقال محققًا بأداة التحقيق: {وإذا وقع القول} أي حان حين وقوع الوعيد الذي هو معنى القول، وكأنه لعظمه لا قول غيره {عليهم} بعضه بالإتيان حقيقة وبعضه بالقرب جدًا {أخرجنا} أي بما لنا من العظمة {لهم} من أشراط الساعة {دآبة} وأيّ دابة في هولها وعظمها خلقًا وخلقًا {من الأرض} أي أرض مكة التي هي أم الأرض، لأنه لم يبق بعد إرسال أكمل الخلق بأعلى الكتب إلا كشف الغطاء.
ولما كان التعبير بالدابة يفهم أنها كالحيوانات العجم لا كلام لها قال: {تكلمهم} أي بكلام يفهمونه، روى البغوي من طريق مسلم عن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبًا» ومن طريق ابن خزيمة عن أبي شريحة الغفاري- رضى الله عنه- أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج خروجًا بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية، ولا يدخل ذكرها القرية- يعني مكة، ثم تمكن زمانًا طويلًا، ثم تخرج خرجة أخرى قريبًا من مكة فيفشو ذكرها بالبادية ويدخل ذكرها القرية، ثم بينما الناس يومًا في أعظم المساجد على الله عز وجل حرمة وأكرمها على الله عز وجل- يعني المسجد الحرام، لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو- كذا قال عمرو يعني ابن محمد العبقري أحد رواة الحديث- ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط ذلك، فارفض الناس عنها وثبت لها عصابة عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب، فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب، ولا يعجزها هارب، حتى أن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة، فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان! الآن تصلي، فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه، فيتجاور الناس في ديارهم، ويصطحبون في أسفارهم، ويشتركون في الأموال، يعرف الكافر من المؤمن، فيقال للمؤمن: يا مؤمن، ويقال للكافر: يا كافر» ومن طريق الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان عليهما السلام، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى أن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا: يا مؤمن، وهذا: يا كافر».